منتدى الاستراتيجيات الأردني: يدعو إلى ضرورة اتباع نهج متوازن قائم على الأدلة لتحديد الحد الأدنى للأجور
منتدى الاستراتيجيات: يدعو إلى ضرورة تبني سياسات عمل تعزز من الإنتاجية وتتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي
عدد المؤمن عليهم من أصحاب الأجر الشهري 300 دينار فأقل في الأردن قد بلغ 411,497 فردًا
في ضوء توجه الحكومة الأردنية الى إطلاق حوار مع القطاع الخاص للنظر في رفع الحد الأدنى للأجور في عام 2025، أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني ورقة سياسات تحمل عنوان "اقتصاديات الحد الأدنى للأجور: نظرة على الحالة الأردنية".
وتهدف الورقة إلى تقديم بعض الحقائق والتوصيات حول الحد الأدنى للأجور من خلال النظر إلى الأدبيات الاقتصادية، والمؤشرات الخاصة بالحالة الأردنية، مع إجراء المقارنات المرجعية مع عدد من الدول إقليميًّا وعالميًّا.
وبينت الورقة أن الحد الأدنى للأجور قد ارتفع في الأردن منذ العام 2010 بالقيمة الاسمية من 150 دينارًا أردنيًّا شهريًّا (143.0 دينارًا بالقيمة الحقيقية)، وإلى 260 دينارًا أردنيًّا شهريًّا (253.1 دينارًا بالقيمة الحقيقية) في عام 2021.
وتشير هذه الأرقام إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن من المتوقع أن يؤثر على عدد كبير من المؤمن عليهم سواء بشكل مباشر من خلال رفع أجور العاملين الحاليين عند أجر 260 دينارًا شهريًّا فأقل، أو بشكل غير مباشر، نتيجة تأثير تلك الزيادة على احتمالية رفع الأجور (الأعلى) والقريبة من الحد الأدنى للأجور.
وأضاف المنتدى في ورقته أن هذه الزيادة سترفع من الإنفاق على السلع والخدمات الأساسية، وبالأخص المنتجة محليًّا. ولأن هذه الفئة تُعَدّ من ذوي الدخل المحدود، فإن الازدياد في نفقاتها - جراء رفع الحد الأدنى للأجور – من غير المتوقع أن يؤثر تأثيرًا كبيرًا على معدل التضخم.
وبين المنتدى أن معدلات النمو في كل من "الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج"، و"الناتج المحلي الإجمالي للشخص العامل" في الأردن قد تراجعت بشكل واضح. فقد بلغ متوسط نمو كل منهما خلال السنوات القليلة الماضية (2020-2024)، حوالي 0.3%، و -0.3% على التوالي، مشيرًا إلى أن هذه النسب تُعَدّ منخفضة، ولن تساعد في تحقيق النمو المنشود في الأردن.
خاصة أن النمو في إنتاجية "عوامل الإنتاج" (الأرض، والعمالة، ورأس المال، والريادة) تؤثر تأثيرًا مباشرًا وكبيرًا على نمو اقتصادات الدول.
كما أشارت ورقة المنتدى إلى أن نسبة مساهمة أصحاب العمل في الضمان الاجتماعي (14.25%) من الأجر الشهري في الأردن هي أقل بكثير من بلدان أخرى، كـ فرنسا (45%)، وتركيا (22.5%) وغيرها، إلا أنها قريبة من اليابان، وأيرلندا.
وبالمثل، فقد بلغت نسبة مساهمة الموظف في الأردن 7.5% من إجمالي الأجر، وهي نسبة أقل بكثير مما هي عليه في فرنسا (23%)، وتركيا (15%) وبلدان أخرى، إلا أنها تُعَدّ قريبة من الولايات المتحدة الأمريكية (7.65%)، والسويد (7%).
وعند المقارنة مع الدول العربية، يُعَدّ معدل مساهمة صاحب العمل في الضمان الاجتماعي في الأردن (14.25%) أقل بكثير من مستواه في مصر، والجزائر (26%). ومع ذلك، فإن النسبة أعلى مما هي عليه في الكويت (11.5%)، وعُمان (11.5%)، والمملكة العربية السعودية (12%). وبالمثل، فإن مساهمة الموظف في الأردن (7.5%) أقل بكثير مما هي عليه في مصر (14%)، والكويت (10.5%)، وتونس (9.18%).
وأشار المنتدى في ورقته إلى أنه عادة ما يتم تقسيم الدخل القومي (الناتج المحلي الإجمالي) في أي اقتصاد، بين عوامل الإنتاج الرئيسة: العمل، ورأس المال. أي بعبارة أخرى، يتم توزيع الدخل بين الأجور التي يحصل عليها العمال (حصة العمل)، والأرباح أو العوائد التي يحصل عليها أصحاب رأس المال (حصة رأس المال). وبالاستناد إلى تقديرات منظمة العمل الدولية، فإن حصة العمل في الأردن (إجمالي الرواتب) هي (44.6%)، إذ تُعَدّ هذه النسبة أعلى بكثير مما هي عليه في قطر (27.7%)، والمملكة العربية السعودية (30%)، والجزائر (34.6%)، والإمارات العربية المتحدة (34.6%)، وعُمان (35.8%)، علمًا بأن انخفاض النسب في دول الخليج يعود بطبيعة الحال إلى اعتماد اقتصادات تلك الدول على النفط والغاز اعتمادًا كبيرًا، وهي قطاعات تُعَدّ كثيفة من حيث رأس المال، إلا أنها محدودة من حيث القدرة على التشغيل. ومع ذلك، تُعَدّ النسبة في الأردن أقل بكثير مما هي عليه في سويسرا (70.5%)، أو كوريا الجنوبية (59.5%)، أو الهند (56.9%)، على سبيل المثال.
هذا، وقد قام المنتدى في ورقته بتحليل تأثير "الإنفاق النهائي الحقيقي للأسر" على الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.
إذ بينت النتائج وجود تأثير إيجابي (المرونة +0.5 بالمتوسط). وهذا يعني أنه في حال ازدياد الإنفاق النهائي الحقيقي للأسر بنسبة 1%، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيرتفع بنسبة 0.5%، والعكس صحيح.
وفي سياق ذلك، أشار المنتدى إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور بمقدار ملائم، سينعكس على زيادة مستويات الاستهلاك الكلي لدى الأفراد، وتحديدًا على السلع الأساسية المنتجة محليًّا، مما ينعكس إيجابًا على مستويات الإنتاج المحلي.
وفي ضوء ذلك، أوصى المنتدى بضرورة اتباع نهج متوازن قائم على الأدلة لتحديد الحد الأدنى للأجور؛ بحيث يأخذ بعين الاعتبار احتياجات العمال وأسرهم، والعوامل الاقتصادية.
مشيرًا إلى أن الموازنة بين هذين الاعتبارين تُعَدّ مهمة للغاية؛ لضمان تكييف الحد الأدنى للأجور مع السياق الوطني، ومراعاة الحماية الفعالة للعمال، واستدامة المشاريع ونموها.
وأضاف المنتدى، أن اتباع النهج القائم على الأدلة، يتطلب وجود معايير واضحة لتوجيه الحوار بشأن مستوى الحد الأدنى للأجور، واعتماد مؤشرات إحصائية موثوقة لدعم الحكومة، وأصحاب العلاقة، والشركاء الاجتماعيين في مداولاتهم من أجل اتخاذ القرار المناسب.
مشيرًا إلى أهمية الاسترشاد بالمؤشرات الإحصائية المباشرة (تكلفة المعيشة/ التضخم، ومعدل نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج) التي يتم استخدامها عادة عند النظر بزيادة الحد الأدنى للأجور.
وفي سياق متصل، فقد اجتهد المنتدى في احتساب الزيادة المحتملة على الحد الأدنى للأجور في عام 2025، التي من الممكن أن تكون ما بين 288 دينارًا (شاملًا معدل التضخم) لحماية الحد الأدنى للأجور من التآكل، و300 دينار شهريًّا (شاملًا معدل التضخم، ومعدل نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج)؛ لتعزيز النمو في الإنتاجية، وتحفيز العاملين. أي بنسبة زيادة تتراوح ما بين 10.8%، و 15.4%.
كما أوصى المنتدى بأهمية النظر في تعديل مستويات الحد الأدنى للأجور من وقت لآخر؛ لتمكين القوة الشرائية للعمال، وتحقيق مزيد من المساواة في الأجور، خاصة عند ارتفاع مستويات الأجور بشكل عام.
واختتم المنتدى توصياته بضرورة العمل على تبني سياسات عمل طويلة الأجل تعزز من نمو إنتاجية عوامل الإنتاج، وتتماشى مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، التي تتسم بطموح عالٍ نحو التشغيل، وتحسين مستويات معيشة الأفراد في آن واحد.
© مصر انسايت