إصلاحات القاهرة الأخيرة حفزت الشركات على استغلال الفرصة.
الثلاثاء 2024/03/12
حملت الخطوات التي اتخذتها مصر مؤخرا أخبارا سارة للكثير من المستثمرين الباحثين عن ملاذات آمنة لأعمالهم، ومن بين هؤلاء شركات صناعة الملابس التركية، التي أغراها على ما يبدو تعويم الجنيه لتوسيع أعمالها أو إقامة مشاريع جديدة لها.
أنقرة/القاهرة - تفكر شركات الملابس بتركيا جديا في تحويل وجهة استثمارات التصنيع إلى السوق المصرية نتيجة الإصلاحات التي تنفذها القاهرة لإنعاش اقتصادها العليل بدعم من شركائها العرب والإقليميين والمؤسسات الدولية المانحة.
وتأثر المنتجون في تركيا، وهي من أكبر الدول المصنعة للملابس والمنسوجات، بمزيج من ارتفاع الحد الأدنى للأجور مقارنة بنظرائهم في الأسواق الناشئة، وعملة يقولون إن قيمتها أعلى مما يجب.
ومن هذا المنطلق ظهرت مصر كقاعدة تصنيع بديلة، وفق مسح أجرته وكالة بلومبرغ مع الشركات التركية، التي أكدت فوائد خفض قيمة الجنيه المصري بنحو 40 في المئة خلال الأسبوع الماضي، كما أن تكاليف الطاقة أقل سعرا.
ومن المتوقع أن تستفيد الشركات التركية من الوضعية التنافسية القائمة الآن، خاصة مع عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في يوليو 2023، بعد قرابة عقد من الخلاف والمناوشات الإعلامية المتبادلة.
وقال شريف فيات رئيس شعبة الملابس في اتحاد الغرف وبورصات السلع التركية إن “تحول مصر إلى سياسات رشيدة يجعلها منافسا قويا على مقربة من تركيا”.
وأضاف في تصريح لبلومبرغ أن “الشركات التي لديها استثمارات هناك تدرس إجراء توسعات محتملة في منشآتها”.
وكانت الرياح العكسية التي يواجهها مصنعو الملابس في السوق التركية واضحة حتى قبل أن تعوم مصر عملتها مجددا، وذلك للمرة الرابعة منذ مارس 2022.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا قبل عامين واجهت الشركات التركية، التي تعد ثالث أكبر مورد إلى أوروبا، ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث تخاطر الشركات بالتخلف أكثر عن منافسيها الآسيويين بعد أن رفعت الحكومة الضرائب على واردات المنسوجات.
وفي مواجهة موجة من الواردات الأرخص رفعت أنقرة في نوفمبر الماضي الرسوم الجمركية من 30 في المئة إلى 100 في المئة على المئات من منتجات المنسوجات الواردة، بهدف دعم مصنعي الغزل والنسيج المحليين.
ووفق البيانات الصادرة عن اتحاد مصدري المنسوجات التركية، فقد تراجعت صادرات القطاع خلال أول شهرين من العام الجاري لتواصل انخفاضها على أساس سنوي خلال 2023 بأكمله.
وصدرت المصانع التركية في 2022 ما قيمته 10.4 مليار دولار من المنسوجات و21.2 مليار دولار من الملابس، ما وضع البلاد كخامس أكبر مصدر عالمي للنسيج وسادس مصدر للملابس.
وتركيا، وهي سابع أكبر دولة مصدرة للملابس في العالم، استحوذت على ما يقرب من 4 في المئة من صادرات المنسوجات العالمية في عام 2020.
ويجعل الارتفاع النسبي لليرة بعد أعوام من التراجع الحاد تمرير المصنعين زيادة الكلفة إلى المستهلكين محالا، وفق فيات، فيما يرى صناع السياسة النقدية أن الحفاظ على استقرار سعر الليرة يمثل عاملا أساسيا في السيطرة على التضخم.
وقال فيات “أصبحت التكاليف باهظة في تركيا، وأصحاب الأعمال الذين أتحدث معهم يقولون إنهم يستغنون عن عمال، وإن على البلد الوصول إلى مرحلة لا تتواجد فيها ضغوط على سعر الصرف”.
وخلال الفترة الماضية أكد البنك المركزي التركي ووزير الخزانة والمالية محمد شيمشك أن قيمة الليرة ستواصل ارتفاعها عند تعديلها وفق التضخم، الذي قارب نسبة 70 في المئة.
واللافت أنه رغم التشديد النقدي الكبير، رفعت وكالة فيتش تصنيف تركيا الائتماني الجمعة الماضية من بي+ إلى بي مع نظرة مستقبلية إيجابية بعدما قللت عودة الحكومة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية مخاطر الاستقرار المالي وضغوط ميزان المدفوعات.
وكتب محللون، من بينهم إريك أريسبي موراليس، أن الخطوة تعكس الثقة المتزايدة في صمود وفاعلية السياسات المطبقة منذ التحول خلال يونيو 2023 في الحد من نقاط الضعف في الاقتصاد الكلي والخارجي.
ومنذ أن رفعت فيتش توقعاتها لتصنيف تركيا إلى مستقرة من سلبية في التاسع من سبتمبر، رفع البنك المركزي سعر الفائدة ألفي نقطة أساس إلى 45 في المئة واتخذ خطوات تشديد إضافية لمعالجة التضخم.
ويقول خبراء إن الأمر بالنسبة إلى مصنعي الملابس الأتراك قد يحتاج إلى عوامل أخرى بخلاف عملة ضعيفة لإحداث تغير ملموس في الإنتاج.
ويتحرك مصنعو الملابس في تركيا منذ العام الماضي من أجل دفع الحكومة إلى اعتماد سعر صرف خاص بهم بعدما تسببت أزمات الليرة المتلاحقة في إبعادهم عن دائرة المنافسة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
وكشفت رابطة مصنعي الملابس الأتراك في شهر يناير 2023 أن شركات القطاع طالبت الحكومة باتخاذ تلك الخطوة سريعا، حيث ترى أنها كانت ضرورية حتى تتمكن من تجنب تخفيض الوظائف قبل انتخابات العام الماضي.
وتعليقا على الوضع الجديد قال رمضان كايا، رئيس الرابطة، إنه “يجب خفض قيمة الليرة بنحو الربع، لكي نتمكن من منافسة مصر”. ومع ذلك، فالاستثمار في السوق المصرية “ليس أمرا يحدث بين ليلة وضحاها”.
أما بالنسبة إلى المستثمرين الحاليين في مصر، فإن التغيرات التي حدثت في الآونة الأخيرة تجعل التوسع اقتراحا جذابا.
ومن بين الشركات التي يحتمل أن تزيد استثماراتها يشم غروب، وهي شركة تركية تصنع منتجات لعلامات تجارية عالمية، من بينها زارا ولاكوست وتومي هيلفيغر، وتستثمر في مصر منذ عام 2008، وفق رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي شينول شانكايا.
ويعتقد شانكايا أن ميزات الاستثمار في مصر تتضمن اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة وتكاليف عمالة أقل بنحو 30 في المئة عن مثيلتها في تركيا.
وطالما اشتكى المستثمرون في مصر من مزاحمة الكيانات التي تملكها الدولة لشركات القطاع الخاص، ولكن القاهرة تعمل على تخفيف هيمنتها على الاقتصاد ضمن أجندة إصلاحية تبدو واعدة لكنها قد تحمل في طياتها خطرا.
وتضغط أكبر مؤسستين دوليتين مانحتين، من المتوقع أن تزيدا تمويلهما لمصر بشكل ملحوظ بمقدار 11 مليار دولار منها ثمانية مليارات دولار من صندوق النقد الدولي و3 مليارات دولار من البنك الدولي، لإجراء هذا التغيير.
© مصر انسايت